طلب الرزق من النحل


حمدي الحسيني - القاهرة



كرمه الله في محكم تنزيله {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} منه يأتي الرزق.. فاطلبه إن كنت ساعيًا إليه.

إنه النحل الذي تأسست عليه مشروعات استخراج العسل الأبيض التي يعتبرها الخبراء الاقتصاديون الأعلى ربحية بين المشروعات؛ حيث يصل ربحها إلى 200% من إجمالي الاستثمارات.

والمنحل المنزلي يُعد من المشروعات الهامة التي يمكن لأي شاب في الوطن العربي أن يبدأ به حياته العملية، أو حتى بجوار عمله الأساسي؛ فالمشروع رأسماله محدود، وأرباحه عالية، وتسويق منتجه ليس معقدًا. فالطلب على العسل مستمر، ويمكن حفظه لفترات معقولة دون تلف، فلا يضطر المنتجون لبيعه بأسعار منخفضة، كما أن مشروع المنحل يتميز بسرعة دورة رأس المال؛ إذ يمكن البدء في مارس وجني العسل في سبتمبر.

ولا يتطلب الإشراف على المنحل تفرغًا كاملا، بل يكفي يوم عمل واحد في الأسبوع، كما أن ملائمة الظروف الجوية في مصر وسوريا ولبنان لتربية النحل توفر النباتات المزهرة طوال العام، فلا يحتاج النحل للتغذية الصناعية طوال العام.

كذلك فإن بعض البلدان العربية -كمصر- لا تفرض ضرائب على تربية النحل؛ نظرا لفوائده الجمة في تلقيح المزروعات وزيادة إنتاجها.

كما أن أرباح تربية النحل هي الأعلى مقارنة بأي نشاط زراعي. ويستطيع أي هاوٍ تربية 20 خلية في حديقة منزله أو فوق سطح منزله إلى جانب عمله الأساسي. وهذه الخلايا العشرون يمكن أن تنتج 400 كيلو عسل ثمنها يبلغ 6000 جنيه أو أكثر (السعر الرسمي للدولار يساوي 4.65 جنيهات مصرية)، وهذا الثمن يُعد صافي ربح؛ لأن النحال لا ينفق شيئًا على النحل سوى مجهوده البدني الذي لا يزيد عن يوم عمل في الأسبوع.

كما أن ثمن الخلية الخشبية حوالي 50 جنيها، وتتوافر في معظم المحافظات المصرية، خصوصا بمدينة طنطا شمال الدلتا؛ حيث تعد مركزا رئيسيا لتجارة مستلزمات النحالة على مستوى الجمهورية.

وثمن طرد النحل (خمسة براويز عليها نحل من الجهتين) حوالي 50 جنيها أخرى، مع مراعاة شراء الطرود من جهة موثوق فيها لتكون من سلالة جيدة. وثمن القناع السلكي حوالي 20 جنيها، والمدخن حوالي 20 جنيها، أخرى وسكين عادية (أو عتلة لتحريك البراويز) بعشرة جنيهات.

هذه هي تكاليف البداية.. فإذا كان المربي سيبدأ بعشر خلايا فمجموع التكاليف حوالي: 500 جنيه للخلايا الخشبية، و500 جنيه لطرود النحل، و50 جنيهًا للأدوات، و50 جنيهًا لشمع الأساس، وفراز العسل 400 جنيه.. أي المجموع 1500 جنيه.


أدوات النحالة

أما العائد فهو حوالي 20 كجم من كل خلية، أي أن عشر خلايا سيكون عائدها 200 كجم عسل، يبلغ ثمنها حوالي 3000 جنيه، وقد يصل إلى 4000 جنيه لجودة العسل. هذا علاوة على حوالي 5 طرود، يبلغ ثمن الطرد 50 جنيها، أي 250 جنيها.

ويمكن أن يبيع النحال غذاء ملكات وحبوب لقاح بحوالي 250 جنيهًا أخرى، أي أن رأسماله الذي بدأ به (1500 جنيه) يعطي في أول سنة 4500 جنيه، أي صافي ربح 3000 جنيه، أي نسبة الربح تبلغ 200% من أول سنة. هذا رغم أن التكاليف الثابتة التي سنستفيد منها لعشرات السنين قد حُمّلت على أرباح أول سنة.

وهذه هي الأسعار والتكلفة والعائد حسب البيئة المصرية. وتكاد تقترب من أسعار لبنان وسوريا؛ حيث معظم خامات مشروع المنحل يدوية وتصنع محليًّا.

ويرصد د. أيمن صبري الخبير بمعهد بحوث الصحراء بمصر خطوات إنشاء مشروع المنحل فيما يلي:

الخطوات الأولى

إن أولى خطوات المشروع هي دراسة المكان والمنطقة، والتأكد من توافر النباتات المزهرة التي يحصل منها النحل على الرحيق. وبعض النحالين يضعون ثلاث خلايا في المنطقة لمعرفة متوسط الإنتاج المتوقع عند إقامة المنحل في هذا المكان، وبصفة عامة توجد ثلاثة محاصيل رحيق أساسية في مصر، وهي: الموالح في مارس، والبرسيم في مايو، والقطن في يونيو. يلجأ الكثير من النحالين إلى نقل الخلايا من منطقة إلى أخرى حتى يجمع المحاصيل الثلاثة في كل عام. وبصفة عامة يتوافر الزهر والرحيق على مدار العام في المناطق الريفية، حتى وإن لم تكن مناطق موالح ولا برسيم ولا قطن، حتى في المدن المحاطة بمناطق زراعية يمكن تربية النحل؛ لأن النحلة تطير 7 كيلومترات لتحصل على الرحيق.

وفي الأحياء ذات الحدائق حول المنازل يمكن للنحل أن يجمع رحيقًا لا بأس به، وكذلك من الأحزمة الخضراء حول بعض المدن الصحراوية.

كما يجب مراعاة ما يلي عند إنشاء المنحل:



- أن يكون بعيدًا عن الإزعاج، مثل خطوط السكك الحديدية والطرق العامة؛ حتى لا يؤذي الناس. وأن يراعى البعد عن حظائر الحيوانات؛ لأن النحل لا يحب الروائح الكريهة. كما قد يلسع بعض الحيوانات فيقتلها.

-أن توضع الخلايا في ظل الأشجار، أو تقام مظلة من البوص، ويفضل إحاطة المنحل بسور من البوص أو ما يشابه ذلك.

-في حالة تربية النحل في حديقة المنزل أو فوق الأسطح يراعى أن تكون السلالة هادئة ولا يزيد عدد الخلايا عن 10 خلايا حتى لا يؤذي النحل الجيران.

-تحتاج الخلايا إلى الظل صيفًا وإلى الشمس شتاء، فإما أن تلغى التعريشة في الشتاء، أو ينتقل النحل إلى مكان مشمس، أو يوضع تحت أشجار متساقطة الورق شتاء مثل التوت.

-يخصص حوالي متر لكل خلية وتوضع الخلايا بحيث تكون الأبواب في الناحية القبلية أو الشرقية. ويفضل أن تصف الخلايا في صفوف بحيث تكون أبواب كل صف مواجهة لأبواب الصف المقابل؛ وذلك حتى يتوافر للنحال ممر خدمة مناسب.

-يجب إبعاد المناحل عن المناطق الموبوءة بدبور البلح أو اتخاذ التدابير الكفيلة بمقاومة هذه الآفة.

رعاية النحل



على عكس ما يعتقد الناس فإن رعاية النحل لا تتطلب مهارة فائقة. ويعبر النحالون أنفسهم عن ذلك بقولهم: "النحالة نجارة وعتالة". وتتلخص عمليات الرعاية فيما يلي:

إسكان الطرود : تكون الخلايا معدة ومجهزة بخمسة براويز فارغة وموضوعة في أماكنها في المنحل قبل وصول الطرود. وعند وصول الطرود يوضع صندوق الطرد فوق كل خلية. ونتركه هكذا لليوم الثاني دون فتح صندوق الطرد إذا كان مصدر الطرود أقرب من 7 كيلومترات حتى لا يعود النحل إلى مكانه الأصلي.

ويمكن فتح باب صندوق الطرد وترك النحل يغدو ويروح لعدة أيام ثم نقوم قرب الغروب بإدخال براويز الطرد في الخلية؛ بحيث يوضع كل برواز نحل بين بروازين بدون نحل.

الكشف الدوري: ويعني فحص البراويز وإزالة البيوت الملكية؛ لأنها تفقس عن عذارى سرعان ما تلقح، وتصبح ملكة تسبب تطريد الخلية، أي هجرتها لذلك؛ فالمهمة الرئيسية للنحال طوال العام (وخاصة أثناء فترة نشاط النحل) هي إزالة البيوت الملكية. ثم ملاحظة وجود الملكة، وليس بالضرورة أن يراها هي نفسها، بل يكفي أن يرى بيضها أو اليرقات الصغيرة فيعرف أن الملكة موجودة.

وموت الملكة يسبب مشاكل كبيرة؛ فقد يفشل النحل في عمل ملكة أخرى، وخاصة إذا كان النحال مبتدئًا، ويهدم البيوت الملكية دون تبصر بوجود الملكة أو عدم وجودها، أو قد يقوم النحل بعمل عدد هائل من البيوت الملكية، وتخرج عشرات العذارى في وقت واحد، وكل منها تلقح وتأخذ عددًا من النحل، وتهاجر به فيما يسمى التطريد المتتالي.

كما يقوم النحال بملاحظة وجود أمراض الحضنة، ووضع العلاج المناسب، وتقوية الخلية الضعيفة بإضافة براويز حضنة مقفولة (بدون نحل)، أو يقوم برفع براويز العسل، ووضع براويز فارغة بدلا منها للخلايا القوية.

ضم الطوائف: يقوم النحال بضم الطوائف الضعيفة لتقوى؛ فخلية قوية أفضل من خليتين ضعيفتين. وأفضل طرق الضم هي طريقة الجرائد؛ فيقوم النحال بقتل أضعف الملكتين، ثم يأتي قرب الغروب، فيكشف غطاء الخلية ذات الملكة، ويضع فوق البراويز ورقة جرائد ويقوم بثقبها بمسمار (مقاس 5 سم) عدة ثقوب، ثم يحمل صندوق الخلية اليتيمة (دون القاعدة)، ويضعه فوق الخلية الأولى؛ بحيث تصبح الخليتان بلا فاصل بينهما سوى ورقة الجرائد ذات الثقوب.




تتسرب رائحة الملكة من أسفل إلى أعلى حتى تعتبرها الشغالات العلوية هي ملكتها، وعندما تقرض الشغالات ورقة الجريدة، ويستطيع نحل الطائفتين الوصول لبعضهما ليكونا قد أصبحا طائفة واحدة فلا يقتتلان.

تقسيم الطوائف: يعد من أهم عمليات النحالة وهو بسيط؛ فالنحال يقوم بإعداد صندوق سفر (الذي جاءت فيه الطرود) بحيث يكون محكما لا تخرج منه نحلة واحدة، وإلا عادت إلى خليتها الأصلية، ثم يفتح خلية قوية ويأخذ منها بروازي حبوب لقاح وعسل، وثلاثة براويز بيض أو حضنة صغيرة جدا، ويضعها في الصندوق، ويحكم إغلاقه، ويضعه في المكان الذي سيصبح مكان الخلية الجديدة، ولا يشغل باله هل الملكة في الخلية أم في صندوق السفر؟

بعد ثلاثة أيام يفتح باب صندوق السفر حتى تخرج الشغالات لجمع الرحيق. وبعد أسبوع يفتح الصندوق ويفحص البراويز إن كانت الملكة معها يقوم بإسكانها في خلية كبيرة بها براويز فارغة. ثم يفحص الخلية الأصلية التي أصبحت الآن يتيمة، وبالتأكيد سيجد عددًا كبيرًا من البيوت الملكية، فيقوم بانتخاب أكبر بيت، ويهدم باقي البيوت، ويترك الخلية حتى تفقس العذراء، وتلقح، وتصبح ملكة.

أما إذا فحص صندوق السفر فلم يجد الملكة فسيجد الشغالات وقد بنت عددا من البيوت الملكية، فيهدمها مع ترك أكبرها حجمًا ليفقس عن عذراء كبيرة تصبح ملكة خصبة.

مقاومة الآفات: يعاني النحل من قائمة كبيرة من الآفات، منها: النمل- الدبور الأحمر – ذئب النحل – الضفادع – الفئران – البرص – الوروار –الزرزور. كما تتطفل على جسمه ويرقاته الفاروة، وهي من العناكب الدقيقة. ولعل أخطر الآفات هي: الدبور الأحمر والوروار والفاروة.

وكقاعدة عامة تستطيع الطائفة القوية مقاومة كافة الآفات باستثناء الفاروة؛ لهذا تعد هي أخطر أعداء النحل. ويمكن مقاومتها بنجاح بوضع عبوات بلاستيكية مبططة بين البراويز، وملئها بحمض فورميك تجاري، مع وجود ثقب في غطاء العبوة يتبخر منه الحمض فيقضي على الفاروة.

فرز العسل: أثناء فحص الخلايا يقوم النحال بجمع براويز العسل، ليضعها في صندوق علوي فوق خلية قوية أو يضعها في صندوق محكم الإغلاق لحين فرز العسل. لا يجمع النحال إلا البراويز التي خُتم حوالي ثلثها بالشمع.

وهناك فرازات يدوية وأخرى كهربية والفكرة واحدة.. هي الطرد المركزي. هناك غرفة خاصة بالفرز تمنع دخول النحل، وتصرف النحل الذي يدخل، أو يتم الفرز ليلا حتى لا ينجذب النحل إلى الرائحة. ويقوم النحال بإزالة الأختام الشمعية من فوق العيون السداسية بسكينة كشط أو سكينة عادية.

ويضع النحال البراويز في الفراز، ثم يدير الفراز ببطء، ثم يوقفه ويقلب البروايز على الوجه الآخر، ويدير ببطء أولا، ثم بسرعة، ثم يعود للوجه الأول، فيدير الفراز بسرعة. وإنما ذلك حتى لا يتهتك القرص الشمعي ليتم وضعه في الخلية مرة أخرى.

بعد إتمام الفرز يؤخذ العسل من الفراز، ويوضع في المنضج، وهو إناء أسطواني كبير يوجد صنبور في أسفله، وذلك لعدة أيام، فتطفو قطع الشمع على السطح، فتسهل إزالتها، ثم يتم تصفية العسل من خلال قماش رقيق، ويعبأ في عبوات نظيفة؛ وبذلك يصبح جاهزا للتسويق، مع ضرورة مراعاة غلي العسل حتى لا يفقد قيمته الحيوية والعلاجية.

ويلجأ المنتجون أو التجار لغلي العسل حتى لا يتجمد شتاء. كما يمكن فقط تدفئة العسل في حمام مائي حتى يسهل تصفيته بواسطة قطعة من القماش.

تسويق العسل




أما بخصوص تسويق المنتج من مشروع عسل النحل الذي يمثل عقبة كبيرة بالنسبة لأصحاب المشروعات، فهناك أكثر من طريقة لتصريف الإنتاج وطرحه في السوق. وكل صاحب مشروع يختار الأسلوب الذي يراه مناسبًا لظروفه.

فيقول المهندس المصري أحمد حسن: إنني بدأت مشروع منحل قبل عامين، وكان الإنتاج يغطي احتياجات أسرتي وأقاربي، واليوم بعد أن توسعت في المشروع، وأصبح إجمالي الإنتاج يصل إلى 250 كجم عسل في كل دورة توسعت أيضا في مجال التسويق؛ بحيث إن أقاربي وزملائي في العمل وجيراني ودائرة معارفي تحولوا إلى زبائن دائمين، ويتم حجز الإنتاج بالكامل قبل جمعه، خاصة أنني تعلمت القيام بمهمة فرز وفصل العسل وتعبئته في عبوات زجاجية متوافرة في الأسواق.

ويضيف المهندس أحمد حسن: إنني لجأت إلى هذا الأسلوب نتيجة لتجنب مسألة العلامة التجارية التي تشترط وزارة التموين توافرها على أي منتج غذائي يتم طرحه للمستهلك.

كما أنني حاولت أن يكون منتجي متميزا للغاية؛ حيث يكون عبارة عن عسل خالص بدون أي إضافات، كما أحرص على عدم تغذية النحل بغذاء صناعي كما يحدث في بعض المنتج المطروح بالأسواق بهدف الحصول على كميات عسل مضاعفة، وبالمقابل أبيع منتجي بأسعار أعلى من سعر السوق، وبذلك أضمن مكسبًا يتقارب مع تجار العسل الذين يقومون بإضافة بعض المحاليل السكرية للإنتاج لمضاعفة المكسب.

لكن الفرق أن من يحصل على إنتاجي يضمن جودة 100%، فضلا عن الخام يكون هو العسل الذي يشفي الأمراض كما جاء في القرآن الكريم؛ لأنه لا يضاف إليه أي شيء غير طبيعي.

أما الطريقة الثانية وهي الأسهل فهي أن يتم بيع المنتج إلى أحد التجار المتخصصين في هذا المجال، كما يقول "يوسف السيد" أحد أصحاب المشروعات الصغيرة لتربية النحل في محافظة المنيا. ويضيف: مسألة التسويق تُعد عقبة كبيرة بالنسبة لنا، خاصة أن تصريف المنتج في نطاق محدود يرتبط بمجاملات؛ وبالتالي يكون الأسلوب الأسهل أن أتفق مع تاجر متخصص في تجارة العسل على نطاق واسع، فيأتي إلى المنحل في موعد جمع المحصول، ويقوم بعملية الفرز في الموقع، ويتم وزن الكمية المستخرجة ويشتريها بالكامل، ويتولى هو عملية إعادة تعبئته وطرحه في الأسواق.

والميزة في هذه الطريقة أنني أضمن بيع الكمية كاملة دفعة واحدة وتسلم ثمنها أيضا بشكل مباشر، وإذا كانت لها عيوب فربما يكون في أن التاجر يحاول الحصول على المنتج بأقل من سعر السوق بنسبة تصل إلى 40% من سعر العسل.

وهذه النسبة تخصم من إجمالي الأرباح، خاصة أن هناك من يحاول طرح منتجه في الأسواق تحت علامة تجارية معروفة مقابل نسبة يتم الاتفاق عليها مع الشركة الأم.


 

http://www.islamonline.net/arabic/economics/index.shtml